كيف يمكن للموارد البشرية موازنة رفاهية وإنتاجية الموظفين
في ظل التحديات القائمة والاعتماد المتزايد على التقنية والذكاء الاصطناعي في أداء المهام يبقي السؤال الأبرز حول كيف يمكن تحقيق توازن مستدام بين رفاهية الموظف والأداء المرغوب
– سوف نناقش في هذا المقال العناوين الرئيسة التالية:
- مرتكزات مفهوم رفاهية الموظف
- متطلبات الأداء
- العلاقة بين رفاهية الموظف والأداء
- مفهوم التوازن المستدام بين الرفاهية والأداء
- كيف يمكن للموارد البشرية ان تقود المنظمات نحو تحقيق هذا التوازن
أولا . مرتكزات رفاهية الموظف:
1 – مفهوم الرفاهية متغير باستمرار
يجب أن يُنظر إلى الرفاهية على أنها دائمة التغير بمرور الوقت ولا يمكن أن تكون ثابتة. على هذا النحو، من الأفضل التفكير في الرفاهية على انها سلسلة مستمرة من التغيير، ومن المهم ألا ننظر إلى الرفاهية نظرة ثابته على مر الزمن بل على أنها اتجاه متغير يعاد تعريفه باستمرار.
2 – الرفاهية لها عناصر متعددة
تتكون الرفاهية من عناصر مختلفة تساهم بشكل كلي في رفاهية الفرد. لا يعتبر أي من هذه العناصر أكثر أو أقل أهمية ، وكلها تساهم بشكل كلي في تحقيق الرفاهية.
العنصر البدني: عادات التغذية السليمة والصحة البدنية
العنصر العاطفي: الراحة النفسية
العنصر الفكري: التحديات العقلية
العنصر الروحي: التوافق الروحي بين القيم واحترام الذات والأخلاق
العنصر الاجتماعي: العلاقات الاجتماعية مثل الأسرة والأصدقاء والمجتمع
العنصر المالي: القدرة المالية على الوفاء بالالتزامات المالية الحالية والمستقبلية بما يتماشى مع مستويات المعيشة المطلوبة
3 – الرفاهية تتعلق بالإنسان ككل.
كان هناك فصل دائم بين الرفاهية في العمل والحياة الشخصية لفترة طويلة من الزمن ولكن كبشر، هذه ليست الطريقة التي نحيا بها.
خلال جائحة كورونا، رأينا الحاجة إلى مراعاة الإنسان ككل، لا سيما فيما يتعلق بعناصر الرفاهية الأخرى التي تتجاوز حياتهم العملية.
4 – الرفاهية مسؤولية مشتركة.
هناك اعتقاد خاطئ مفاده أن الرفاهية في العمل هي مسؤولية المنظمة وهذا المعتقد يحتاج إلى تغيير.
الرفاهية هي مسؤولية مشتركة بين الفرد والمنظمة. يتحمل الأفراد مسؤولية رفاهيتهم من خلال اتباع عادات صحية، والسعي الى اكتساب المهارات المطلوبة لتحقيق رفاهيتهم وادارتها، اما المنظمات فهي مسؤولة عن خلق بيئة عمل توفر الوصول إلى الخدمات التي تعزز الرفاهية عند الحاجة.
ثانيا . متطلبات الأداء و الإنتاجية:
يمكن تعريف الإنتاجية على أنها نسبة المخرجات إلى المدخلات. زيادة الإنتاجية تعني إنتاج المزيد بنفس المقدار من المدخلات أو إنتاج نفس المخرجات بمدخلات أقل.
يمكن ان يناسب هذا التعريف بعض العصور السابقة، حيث يتم قياس ناتج العمل بشكل أساسي من خلال عدد المنتجات في خط الانتاج. التحدي في مجال الإنتاجية هو عندما تصبح المدخلات والمخرجات أكثر تجريدًا من الكم على سبيل المثال الموظف المسؤول عن تقديم خطة تسويقيه جديدة. كيف ستبدو المدخلات والمخرجات عندها اذن؟ في العمل المعرفي، نجد أيضًا اتجاهًا نحو قياس النتيجة بدلاً من المنتج، اى أن الأمر لا يتعلق بالجهد المبذول، بل بالأحرى الأثر الذي احدثه هذا الجهد.
في عالم الاعمال، نحتاج إلى تعريف أوسع للإنتاجية حيث تغيرت طريقة قياس مخرجات العمل بشكل كبير. كان هناك تحول نحو فهم أفضل لنتائج أو تأثير العمل بدلاً من قياس الإنتاجية على أساس الأشكال التقليدية للإنتاج بالرغم من كونه خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أن هذا النوع من التفكير يقبل ويؤكد إلى حد كبير أن الرفاهية تؤدي إلى إنتاجية أفضل. لذلك، بعبارة أخرى، كلما كانت القوى العاملة تتمتع بالرفاهية، كلما كانت الإنتاجية المتوقعة أفضل.
ثالثا . العلاقة بين الإنتاجية والرفاهية:
تنظر معظم الدراسات، إلى العلاقة بين الرفاهية والإنتاجية كعلاقة طرديه مباشرة.
ومع ذلك، فإن العلاقة بين الرفاهية والإنتاجية أكثر عمقا من ذلك حيث نحتاج إلى النظر في التوازن بين متطلبات العمل والموارد كعامل مساهم رئيسي في هذه العلاقة. في هذا السياق عندما نشير الى المتطلبات نعني التوقعات الموضوعة على الأفراد في العمل اى ما هو مطلوب منهم وفق الخطة العامة اما الموارد فتعني الدعم المادي والاجتماعي والتنظيمي المتاح للموظفين لتلبية تلك المتطلبات.
التوازن بين المتطلبات والموارد هو جزء من النظرية التي طورها علماء النفس ديمتري وباكر ، وهي عندما تكون المتطلبات والموارد متوازنة ، فإنها تؤدي إلى الرفاهية والإنتاجية. في الوقت نفسه، من المحتمل أن يؤدي ارتفاع المتطلبات ونقص الموارد إلى الإرهاق والفشل التنظيمي.
يمكننا أيضًا أن نرجح بأن الأفراد الأكثر إنتاجية يمكن أن يصبحوا أفضل عندما يكونوا راضين عن العمل، مما يساهم في الرفاهية ، وبالتالي تصبح الرفاهية والإنتاجية علاقة ثنائية الاتجاه.
على الرغم من ذلك فهناك تحد آخر لهذا المنظور وهي ان الإنتاجية والرفاهية لا يسيران على منحنى لانهائي اي عند نقطة ما، لا تؤدي زيادة الموارد الى زيادة مستويات الرفاهية، كما أن زيادة الإنتاجية لا تزيد من المتطلبات. يمكننا أن نشير إلى هذا على أنه نقطة الانهيار اى النقطة التي لم يعد فيها التوازن بين المتطلبات والموارد يساهم في العلاقة بين الرفاهية والإنتاجية.
نحتاج أيضًا إلى الاعتراف بأن النسق سيلعب دورًا وأن المطالب يمكن أيضًا وضعها على عاتق الفرد خارج نطاق العمل. على سبيل المثال، يؤدي تغيير السكن أو المرور بأزمة شخصية إلى زيادة الاعباء على الفرد ، على الرغم من ان تلك المشاكل لا تتعلق بالعمل. نفس الشيء ينطبق على الموارد. في بعض الأحيان، يمكن أن تساهم الموارد الشخصية في التعامل مع مستويات عالية من المطالب في العمل.
إذن كيف يمكننا التعامل مع هذه التحديات بشكل مختلف؟ هل هناك طريقة لتحقيق التوازن بين الإنتاجية والرفاهية؟
رابعا . مفهوم التوازن المستدام بين الرفاهية والأداء:
ربما نظن أن الرفاهية والإنتاجية يمكن أن تتحقق بشكل مستدام لكل من المنظمة والفرد. للقيام بذلك، علينا التفكير في الإنتاجية والرفاهية في سياق الاستدامة.
لنبدأ بتعريف الإنتاجية المستدامة، وهي إنشاء نظام يوازن بين المتطلبات والموارد المطلوبة لتحقيق أهداف وطموحات المنظمة على المدى القصير والطويل
– عند تحليل هذا التعريف، هناك بعض الشروط الهامة :
أولاً، تمتع بيئة العمل بتوازن بين المتطلبات والموارد المتوافقة مع توقعات المنظمة.
ثانيًا، عند نجاح المنظمة في تحقيق ذلك فأنها لاتزال تهدف إلى تحقيق مكاسب قصيرة وطويلة المدى ثم تبتعد شيئا فشيئا عن الفوائد قصيرة الأجل على حساب القيمة طويلة الأجل.
ثالثًا، يمكن للمنظمة الاستمرار في العمل بهذه الطريقة لفترة طويلة. من خلال الحفاظ على توازن المتطلبات والموارد، مما يمكن المنظمة من مواصلة سرعة وكثافة عملياتها.
ومع ذلك ، فإن هذه العلاقة لاتزال مقيده حيث سيكون هناك حد لا تستطيع عنده المنظمة طلب إنتاجية أعلى ، بغض النظر عن الموارد المقدمة. يمكن أن تؤدي نقطة الانهيار هذه إلى فشل تنظيمي، على سبيل المثال، الحمل الزائد للأنظمة وخطوط الإنتاج. على المستوى الفردي، يمكن أن يؤدي إلى الإرهاق الوظيفي وفقدان الرفاهية.
في هذا السياق، نحتاج أيضًا إلى تحديد مفهوم الرفاهية المستدامة وتعرف على أنها: الإدارة المستمرة للموارد للأفراد على طول سلسلة من التقلب بين الهبوط والارتفاع والازدهار من خلال التركيز على الرفاهية (العقلية والجسدية والمالية والاجتماعية والروحية) بما يتماشى مع متطلبات العمل والحياة.
بالنظر إلى هذه التعريفات، نجد ان الإنتاجية المستدامة والرفاهية في علاقة مترابطة مع المتطلبات والموارد في سياق معين من العمل والحياة. حيث ان الحفاظ على توازن المتطلبات والموارد يخلق بيئة يمكن أن تتعايش فيها الإنتاجية والرفاهية معا ومع تزايد المتطلبات، ينبغي أيضًا أن تكون الموارد التي يمكن للأفراد الوصل اليها متاحه، سواء على المستوى التنظيمي أو الشخصي، ويجب أخذ الحياة المهنية والشخصية في الاعتبار.
إذا كانت الموارد أكثر من المتطلبات، فقد يعني ذلك إهدار الفرص مما يعني ان المنظمات غير مستغلة لقدراتها والعكس صحيح أيضا إذا كانت المتطلبات مرتفعة للغاية مع عدم كفاية الموارد سيؤدي ذلك إلى الفشل. ومع ذلك، هناك نقطة انهيار حيث لم تعد زيادة الموارد تؤدي إلى القدرة على التعامل مع المتطلبات. عند نقطة الانهيار هذه، لن ينتج عن الدعم الإضافي أي قدرة إضافية للاستجابة للطلبات.
من خلال تبني هذا النهج يكون الهدف من الإنتاجية المستدامة والرفاهية هو البقاء في حدود (المنطقة الامنه) وهذا يعني أن متطلبات العمل والحياة تحتاج إلى مراجعه مستمرة مقابل الموارد المتاحة، وتقييم الموارد المتاحة باستمرار من حيث كيفية تلبيتها للمتطلبات المحددة بالنظر إلى العمل والحياة تصبح هذه مسؤولية مزدوجة لكل من المنظمة والفرد.
يعتمد هذا النهج على الشفافية من حيث التوقعات وفهم أفضل بكثير لما يتطلبه الأمر لإنجاز المهمة. حيث يتطلب نهجًا يعتمد على البيانات بشكل أكبر لفهم العمل والنتائج، وكيفية مشاركة الموظفين في العمل ، وماذا يريدون من العمل. علاوة على ذلك، يتطلب أيضًا فهمًا أكبر لنقطة الانهيار حيث يتعين على كل من المنظمة والفرد إدارة هذه العقبة في سياق العمل والحياة.
خامسا من الناحية العملية كيف يمكننا تغيير وجهات النظر الحالية لتحقيق التوازن بين الإنتاجية المستدامة والرفاهية ، وما الذي يمكن للموارد البشرية فعله لإحداث هذا التغيير؟
نقترح الإجراءات التالية على الموارد البشرية لتوجيه المنظمات نحو هذا التحول:
1. رؤية جديده لتخطيط المتطلبات وتحديد الأهداف بناءً على توقعات واقعية.
يمكن للموارد البشرية أن تساعد المنظمات على التخطيط بطريقة واقعية فيما يتعلق بما هو متوقع من الموظفين وكيفية موازنة المتطلبات والموارد.
من خلال استخدام نهج قائم على البيانات حيث أن التخطيط الواقعي وإعداد التوقعات يمكن أن يساهم في ممارسات أكثر استدامة. وللقيام بذلك، نحتاج إلى كسر المفهوم الرأسمالي (المزيد هو الأفضل) ومساعدة المنظمات على إدخال جرعة صحية من الواقعية فيما يتعلق بطموحاتهم وأهدافهم وتوقعاتهم.
2. استخدام البيانات والمقاييس لإدارة نقطة الإخفاق.
بصفتنا مختصين بالموارد البشرية ، نحتاج إلى مساعدة المؤسسات في قياس الرفاهية والإنتاجية بموضوعية. يتيح لنا ذلك تحديد تلك النقطة بشكل استباقي عند استحالة الاستدامة.
خاصة في العمل المعرفي ، نحتاج إلى نماذج أفضل لفهم المساهمة والجهد والتأثير والرفاهية كعوامل مساعدة. يمكن للموارد البشرية المساعدة من خلال اعتماد نهج يعتمد على البيانات بشكل أكبر لتصميم وقياس العمل.
3. تثقيف الموظفين والمنظمات حول عناصر الرفاهية، وتوفير الوصول المناسب إلى الخدمات وتجديد مفهوم الرفاهية.
على المدى القصير سوف نحتاج إلى الاستمرار في توفير الوصول إلى الخدمات المناسبة للموظفين لإدارة رفاهيتهم . هذا لا يعني التخلص من برامج مساعدة الموظفين الحالية، بل تكميلها من خلال نهج متعدد القنوات
نحتاج أيضًا إلى تغيير تفسير معنى كلمة (أن تكون جيدًا) وأن الرفاهية الشاملة هي موضوع يمكن مناقشته بصراحة والتعامل معه بطريقة محترمة وكريمة.
4. ساهم في تغيير معنى مفهوم “الموظف الجيد”.
بصفتنا موارد بشرية، نحتاج إلى كسر النمط القائل بأن “العامل الجيد” هو الشخص الذي يبقى متأخرًا ويأتي أولا ويغادر اخيرا ويعمل خلال عطلات نهاية الأسبوع، ولا يرفض أي طلب من المنظمة. بدلاً من ذلك، يمكن ان نقول ان الموظف الجيد هو الشخص الذي يدير حدًا صحيًا بين المطالب والموارد التي تتوافق مع توقعات المنظمة وكيفية اداءها ضمن ذلك الإطار بصفة مستدامة.
من الناحية العملية، قد يتطلب ذلك إعادة تقييم ما نحتفل بإنجازه ونكافئ عليه داخل المنظمات. نحن بحاجة إلى اتخاذ وجهة نظر موضوعيه حول ما إذا كنا نكافئ السلوكيات القائمة على الجهد لا التأثير.
5. ساعد الموظفين على فهم معنى الرفاهية بالنسبة لهم.
على المستوى الفردي، الرفاهية تعني شيئًا مختلفًا لجميع الموظفين. يتمثل دور الموارد البشرية في مساعدة الموظفين على فهم مزيج عناصر الرفاهية المناسب لنسقهم ومنظورهم في الحياة واحتياجاتهم. هناك أدوات رائعة متاحة، مثل التقييمات النفسية ، التي تسمح للموظفين باكتساب نظرة ثاقبة على دوافعهم واحتياجاتهم ورغباتهم ويمكن أن تساعدهم في إعادة تعريف رفاهيتهم.
بعبارة أخرى، الرفاهية ليست شيئا معياريًا. إنه قرار شخصي لكيفية اختيارك للتعامل مع العمل والحياة .
الخلاصة:
مع تغير عالم العمل وتطوره، سنحتاج إلى مناقشات مستمرة بشأن التوازن بين المتطلبات والموارد المتاحة والتأثير على الإنتاجية والرفاهية. على الرغم من أن هذا النقاش ليس جديدًا ، إلا أننا نعتقد أننا نحتاج إلى رؤى واقعية ووجهات نظر جديدة وخبراء موارد بشرية يمكنهم إشراك المنظمة في مناقشات هادفة حول مستقبل الإنتاجية دون التضحية برفاهية الموظف على طول الطريق .
تويتر – لينكد إن
مقالات قد تهمك :