يعتمد النقاش حول دور إدارة الموارد البشرية واستراتيجياتها في تعزيز فعالية المنظمات من النقاشات المهمة لصنّاع القرار وللباحثين والمهتمين بالموارد البشرية، فالبعض يؤمن بشكل كبير في فعاليتها والبعض الآخر يعتبر أن هذا الطرح ترف كونه لا ينسجم مع ديناميكية العمل المؤسساتي. ولكي نفهم هذا الدور ينبغي أولاً معرفة ماهي استراتيجيات الموارد البشرية وكيف تساهم في رفع كفاءة المنظمات وذلك من خلال عرض مجموعة من المفاهيم المتعلقة بهذا المفهوم وعرض أمثلة لاستراتيجيات موارد بشرية أثبتت نجاحها في رفع وزيادة كفاءة عمل المنظمات.

بدايةً يمكن تعريف استراتيجيات إدارة الموارد البشرية بأنها “نمط من المفاهيم والأنشطة المخطط لها في إدارة تطوير الموارد البشرية تهدف إلى تمكين المنظمة منتحقيق أهدافها” (شولر وجاكسون، 1999). حيث تُمكّن استراتيجيات إدارة الموارد البشرية إيجاد مجموعة من الطرق الإيجابية التي يمكن من خلالها المساهمة في فعالية المنظمة وتحليلها من خلال مراجعة مجموعة الممارسات والأنشطة وتقييم نتائجها. حيث يرى بعض الباحثون في مجال إدارة الموارد البشرية أن تفعيل عمل الاستراتيجيات يعتبر ميزة تنافسية للمنظمة، هذه الميزة تُصعْب على المنظمات الأخرى فهم أو محاكاة المُحَسِنات التي تصاحب هذا التمكين. فممارسات الموارد البشرية الجيدة والتي تعتبر فعّالة في إدارة الأفراد بالإمكان تحليلها وبالتالي اختبار نتائجها في زيادة فعالية المنظمة. ولكي تؤتي الاستراتيجيات ثمارها ينبغي بحسب الكثير من الأطروحات أن يكون هنالك توائم داخلي وخارجي للشركة مع ظروف السوق حيث نطرح في هذا المقال نماذج من شركات عدة استخدمت استراتيجيات وممارسات إدارة الموارد البشرية بطريقة ساهمت في زيادة فعالية الشركات بشكل أفضل.

استراتيجية الموارد البشرية داخل المنظمات

يعتبر فورمبيرن أول من استعرض مصطلح استراتيجيات إدارة الموارد البشرية ووضع ثلاثة عناصر أساسية لفعاليتها في المنظمات، هذه العناصر هي:

  • مهمة المنظمة.
  • استراتيجية المنظمة.
  • إدارة الموارد البشرية.ومن هنا بدأ تداول أفكار استراتيجيات إدارة الموارد البشرية. حيث يرى بيكر وهيوزليد تحديد الاختلافات بين استراتيجيات إدارة الموارد البشرية وبين نظم إدارة الموارد البشرية التقليدية القديمة من خلال المفهومين التاليين:الأول: أن استراتيجيات إدارة الموارد البشرية تركز على أداء المنظمة من خلال أداء الفرد.الثاني: تُستخدم ممارسات الموارد البشرية – من خلال تفعيل عمل الاستراتيجيات – في حل معضلات المنظمة أكثر من معضلات الأفراد.ومن هنا يجب على إدارة الموارد البشرية أن تتماشى مع الاستراتيجية التنظيمية للمنظمة وأن تعمل معها بانسجام لخلق ميزة تنافسية مستدامة للشركة، والتي بدورها ستساعد في زيادة الأداء العام.وفقاً لشولر وجاكسون، يُعتبر مصدر الميزة التنافسية متغيراً على الدوام، حيث قام بوضع أبرز الطرق الأساسية لخلق ميزة تنافسية مستدامة للشركات من خلال إدارة الكوادر العاملة بشكل فعّال. حيث حدد أن قيم وثقافة المنظمة والإدارة الفاعلة ذات الأثر الإيجابي على مهارات العاملين ومستوى الحافز لديهم تلعب فرصاُ أكبر لخلق الميزة التنافسية للشركة.يمكن أن يكون دور الموارد البشرية في تشكيل الاستراتيجية استباقياً أو يأتي على شكل ردة فعل، ففي الحالة الاستباقية: تشارك إدارة الموارد البشريةبشكل أساسي في وضع أسس الاستراتيجية، ومن ثم متابعة تنفيذها وقياس كفاءتها، وفي الحالة الأخرى: تعمل الموارد البشرية بعد وضع الاستراتيجية على مطابقة فلسفة وسياسات وبرامج الاستراتيجية للمساعدة في تحقيقها وزيادة فعاليتها على مستوى المنظمة بشكل أكبر.أبرز مثال للدور الاستباقي للموارد البشرية في وضع استراتيجية المنظمة هو ما قامت به شركة المنتجات الغذائية (اي بي سي دستربيوشن)، حيث تهدف الشركة لتحقيق أرباح في المبيعات وزيادة النمو بشكل مطرد وكذلك تطوير الأعمال من خلال العملاء الحاليين ومن خلال إضافة عملاء جدد. لذلك وضعت إدارة الموارد البشرية استراتيجيتها مراعيةً احتياجات وأهداف الشركة. فبدأ فريق الموارد البشرية بوضع خطة عمل آخذين في الاعتبار تقييم مهارات الكوادر البشرية. حيث تنبؤوا بعدد المدراء المطلوب ونوعية الكفاءات اللازمة ووضعوا الأسس لبرامج تطوير أنظمة موارد بشرية حديثة في التدريب وتطوير المهارات وتدريب القيادات وعمليات الاختيار والاستقطاب والاستبقاء (ارمسترونغ، 2000).لذلك من المهم لإدارة الموارد البشرية المشاركة في وضع استراتيجية المنظمة منذ المراحل الأولى. وذلك بعد استيعاب الاستراتيجية وفهم أهداف المنظمة، وعلى القائمين على الموارد البشرية وضع الممارسات والسياسات التي تكفل للمنظمة تحقيق أهدافها.  كما أن عليهم العمل على جعل هذه السياسات قابلة للتبني ولها المرونة في حال تغييرها. لذلك من الضروري فهم قابلية الاستراتيجيات للتغير خصوصاً في ظل التغير التقني المتسارع وتوفر منصات عمل جديدة وذات طابع إبداعي مختلف. ولذلك على إدارة الموارد البشرية العمل بالتوازي مع خط سير المنظمة ليس فقط من أجل تحقيق الأهداف ولكن لتوفير المرونة اللازمة لتقبل التغيير في أهداف المنظمة.

    أما على مستوى خفض النفقات، فقد تختلف استراتيجيات الموارد البشرية بين شركة وأخرى. فعلى سبيل المثال، لا يمكن أن تتوافق الاستراتيجيات بين شركة ناشئة وشركة تعاني ركوداً اقتصادياً. فغالباً يكون التركيز على تقليل التكاليف وخفض النفقات كجزء من استراتيجية الأخيرة بينما يتم تجاهل الاستثمار في برامج محسنة أكثر كالتدريب وبرامج دعم التطوير المعرفي ورفع كفاءة ومهنية العمليات، لذلك يؤدي إهمال تفعيل برامج كالتدريب والتطوير والوعي بالتكلفة إلى زيادة العبء على الشركات وزيادة التكاليف على المدى الطويل بعكس ما خُطط له.

    وحرصاً على زيادة فعالية المنظمات ينبغي الاستثمار في تطوير آليات عمل استراتيجيات الموارد البشرية مستدامة، يقرر ساوندوز أن للموارد البشرية دور مهم في زيادة الإنتاجية المؤدية لتحسين أداء العاملين في خدمة العملاء. فعلى قيادة المنظمة الإيمان بجدوى هذا الدور وأن عليهم مشاركة القرارات التي تتعلق بالاستراتيجية مع فرق عملهم منذ بداية التخطيط ليسهل على إدارة الموارد البشرية تنفيذها والعمل بها. بل أن بعض الشركات تُشرك عملائها وتأخذ انطباعهم حول استراتيجيتها، وتعتبر شركة ساوث ويست للطيران الأمريكية أفضل من طبق هذا المفهوم، حيث تقوم الشركة بتوفير رحلات خاصة لعملائها إلى مقر الشركة بدالاس ليساهموا في عملية اختيار موظفي الصفوف الأمامية معتبرين مشاركة عملائهم في الاختيار أمر ضروري كونهم سيتعاملون مع هؤلاء الموظفين بشكل مباشر مستقبلاً (آنون،2005).

    ويبقى السؤال، ما هو أثر استراتيجية الموارد البشرية في تحسين أداء المنظمات؟

    بينت عدة دراسات أن هناك علاقة واضحة بين الاستراتيجية وتحسين الأداء وأن اختلاف طرق تنفيذ الاستراتيجية يؤثر على أداء المنظمة، وأن فهم العوامل الداخلية والخارجية يساهم في فعالية أداءها ( شان وهايواين، 2005). يقدم يورش وبروكسبانك مثال لشركة خدمات نفطية تبحث عن أسباب انخفاض حصتها السوقية لمنافسين آخرين، حيث اقترح فريق الموارد البشرية عمل استبيان لمعرفة رضا العملاء ومعرفة معايير الشراء لديهم من خلال السعر، جودة الخدمة، وسهولة الوصول والتوزيع. طلب الفريق من أعضاء الإدارة قبل الكشف عن نتائج الاستبيان المعيار الأساسي الذي يعتقدون أنه يؤثر على قرار الشراء، اتفق الأعضاء أن السعر هو العامل المهم. جاءت نتائج الاستبيان مختلفة عن توقعهم حيث حدد أن جودة الخدمة المقدمة للعملاء هو العامل الأهم، فبدأوا في دراسة الأسباب ووضع الحلول المتعلقة بسوء الخدمة، فظهر أن هناك عدة مشاكل تتعلق بآلية اختيار العاملين في قطاع خدمة العملاء وعدم ملائمتهم لقيم الشركة وثقافتها، بالإضافة إلى قلة البرامج التدريبية وبرامج التطوير والإرشاد لهم. لذلك قررت الشركة تحسين عملية اختيار واستقطاب كفاءاتها وزيادة ميزانية وحصص التدريب لبرامج خدمة العملاء. وبهذا التدخل زادت الحصة السوقية للشركة خلال عامين.

    يتضح من هذا المثال أن دور إدارة الموارد البشرية واستراتيجيتها يحقق قيمة مضافة للشركة بزيادة الأرباح وتحقيق الأهداف وكذلك تمكين العاملين من العمل في بيئات ترفع عطاءهم وتحقق متطلباتهم في زيادة مهاراتهم واكتشاف فدراتهم.

     

    معايير قياس كفاءة المنظمات من خلال استراتيجيات الموارد البشرية

    يمكن اعتبار أن تحقيق المنظمات لأهدافها وزيادة أرباحها العامل الأكثر وضوحاً في معرفة كفاءة الاستراتيجيات بشكل عام، ولكن كيف يتم قياس كفاءةالمنظمات من منظور إدارة الموارد البشرية؟ أثبتت عدة دراسات أن المنظمات التي تنتهج ممارسات موارد بشرية فاعلة كمشاركة العاملين في صنع القرارات وتمكين العاملين من العمل بحرية وتحسين بيئة التواصل أدت إلى نتائج أفضل من المنظمات التي تنتهج ممارسات قديمة (براتون، 2005).

    أما من ناحية تشغيلية، فيمكن قياس كفاءة أداء المنظمات من خلال مقاييس معدل الدوران الوظيفي، إنتاجية العاملين ومعدل الحافز المعنوي والرضا الوظيفي، كذلك فعالية برامج التعاقب الوظيفي والتنوع الثقافي والعرقي في بيئة العمل والأهم من ذلك مطابقة قيم الشركة لكل العمليات التي يقوم بها أفراد المنظمة (أوسي وجونسون، 2001).

    لذلك على منظماتنا العمل بجدية لابتكار استراتيجيات موارد بشرية مُحسنة تنطلق من رؤى المنظمات من أجل تحقيق أعلى عائد في رفع الكفاءة وزيادة الإنتاجية خصوصاً وأن الوضع الاقتصادي الحالي يُحتم اتخاذ إجراءات تزيد من كفاءة عمل المنظمات وفي نفس الوقت خفض التكاليف والنفقات.

     

    الكاتب: ا/ عادل السالمي